فصل: ومن باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا واحدًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلا واحدًا:

قال أبو داود: حدثنا عبد العزيز بن يحيى حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة «أن سهلة بنت سُهيل استحيضت فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغسل والمغرب والعشاء بغسل وتغتسل للصبح».
قلت: وهذه والأولى سواء وحالهما حال واحدة إلاّ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الأمر قد طال عليها وقد جهدها الاغتسال لكل صلاة رخص لها في الجمع بين الصلاتين لما يلحقه من مشقة السفر.
وفيه حجة لمن رأى للمتيمم أن يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد لأن علتهما واحدة وهي الضرورة وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه وهو قول ابن المسيب وسفيان الثوري والحسن والزهري. وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يتيمم لكل فريضة ولا يجمع به بين فريضتين. وقد روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وبه قال النخعي والشعبي وقتادة.
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة قالت: «جاءت فاطمة بنت أبي حُبيش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث إلى أن قال لها ثم اغتسلي ثم صلي وتوضئي لكل صلاة».
ثم إن أبا داود ذكر طرق هذا الحديث وضعف أكثرها، يَعني الوضوء عند كل صلاة.
قال: ودل على ضعف حديث حبيب بن أبي ثابت عن عائشة وذكرت الحديث قالت فكانت تغتسل لكل صلاة.
قلت: أما قول أكثر الفقهاء فهو الوضوء لكل صلاة وعليه العمل في قول عامتهم. ورواية الزهري لا تدل على ضعف حديث حبيب بن أبي ثابت لأن الاغتسال لكل صلاة في حديث الزهري مضاف إلى فعلها وقد يحتمل أن يكون ذلك اختيارا منها.
وأما الوضوء لكل صلاة في حديث حبيب فهو مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضاف إليه وإلى أمره إياها بذلك والواجب هو الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به دون ما فعلته وأتته من ذلك.
قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن سُمي مولى أبي بكر أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف تغتسل المستحاضة قال تغتسل من ظهر إلى ظهر وتتوضأ لكل صلاة فإن غلبها الدم استثفرت بثوب.
قال أبو داود قال مالك إني لا أظن حديث ابن المسيب من ظهر إلى ظهر إنما هو من طهر إلى طهر ولكن الوهم دخل فيه فقلبه الناس فقالوا من ظهر إلى ظهر.
قلت: ما أحسن ما قال مالك وما أشبهه بما ظنه من ذلك لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى مثلها من الغد ولا أعلمه قولا لأحد من الفقهاء وإنما هو من طهر إلى طهر وهو وقت انقطاع دم الحيض. وقد يجيء ما روي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر في بعض الأحوال لبعض النساء وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت عادة لها ونسيت الوقت أيضًا، إلاّ أنها تعلم أنها كلما انقطع دمها في أيام العادة كان وقت الظهر فهذه يلزمها أن تغتسل عند كل ظهر وتتوضأ لكل صلاة ما بينها وبين الظهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن يكون سعيد إنما سئل عن امرأة هذا حالها فنقل الراوي الجواب ولم ينقل السؤال على التفصيل والله أعلم.

.ومن باب من لم يذكر الوضوء إلاّ عند الحدث:

قال أبو داود: حدثنا زياد بن أيوب حدثنا هشيم حدثنا أبو بشر عن عكرمة «أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنتظر أيام إقرائها ثم تغتسل وتصلي فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت».
قال أبو داود وكان ربيعة لا يرى على المستحاضة وضوءا عند كل صلاة إلاّ أن يصيبها حدث غير الدم فتوضأ.
قلت: الحديث لا يشهد لما ذهب إليه ربيعة، وذلك أن قوله: «فإن رأت شيئا من ذلك توضأت وصلت» يوجب عليها الوضوء ما لم تتيقن زوال تلك العلة وانقطاعها عنها وذلك لأنها لا تزال ترى شيئا من ذلك أبدا إلاّ أن تنقطع عنها العلة وقد يحتمل أن يكون قوله: «فإن رأت» يعنى فإن علمت شيئا من ذلك ورؤية الدم لا تدوم أبدا وقال أهل التفسير: قوله تعالى: {وأرنا مناسكنا} [البقرة: 128] معناه علّمنا. وقول ربيعة شاذ ليس عليه العمل وهذا الحديث منقطع وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش.

.ومن باب في المرأة ترى الصفرة والكدرة:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قتادة عن أم الهُذيل عن أم عطية قالت كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا.
قلت: اختلف الناس في الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء فروي عن عليّ أنه قال ليس ذلك بحيض ولا تترك لها الصلاة ولتتوضأ ولتصلي. وهو قول سفيان الثوري والأوزاعي.
وقال سعيد بن المسيب إذا رأت ذلك اغتسلت وصلت به قال أحمد بن حنبل.
وعن أبي حنيفة إذا رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة أو الكدرة يوما أو يومين ما لم يجاوز العشرة فهو من حيضتها ولا تطهر حتى ترى البياض خالصا.
واختلف قول أصحاب الشافعي في هذا فالمشهور من مذهب أصحابه أنها إذا رأت الصفرة أو الكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم يجاوز خمسة عشر يوما فإنها حيض. وقال بعضهم: إذا رأتها في أيام العادة كان حيضا ولا يعتبرها فيما جاوزها، فأما البكر إذا رأت أول ما رأت الدم صفرة أو كدرة فإنهما لا تعدان في قول أكثر الفقهاء حيضا وهو قول عائشة وعطاء.
وقال بعض أصحاب الشافعي حكم المبتدأة بالصفرة والكدرة حكم الحيض.

.ومن باب في وقت النفساء:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا علي بن عبد الأعلى، عَن أبي سهل عن مُسَّة عن أم سلمة قالت: «كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تقعد بعد نفاسها أربعين يوما أو أربعين ليلة».
قلت: النفاس في قول أكثر الفقهاء أربعون يوما وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس وأنس بن مالك وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
قال أبو عبيد وعلى هذا جماعة الناس. وروي عن الشعبي وعطاء أنهما جعلا النفاس أقصاه شهرين وإليه ذهب الشافعي وقال به مالك في الأول ثم رجع عنه وقال يسأل النساء عن ذلك ولم يحد فيه حدا.
وعن الأوزاعي تقعد كامرأة من نسائها من غير تحديد.
فأما أقل النفاس فساعة عند الشافعي وكذلك قال مالك والأوزاعي وإلى هذا مال محمد بن الحسن.
فأما أبو حنيفة فإنه قال: أقل النفاس خمسة وعشرون يوما.
وقال أبو يوسف: أدنى ما تقعد له النفساء أحد عشر يوما، فإن رأت الطهر قبل ذلك فيكون أدناه زائدا على أكثر الحيض بيوم.
وعن الأوزاعي في امرأة ولدت ولم تر دما قال تغتسل وتصلي من وقتها وحديث مُسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل وقال مسة هذه أزدية واسم أبي سهل كثير بن زياد وهو ثقة وعلي بن عبد الأعلى ثقة.

.ومن باب الاغتسال من الحيض:

قال أبو داود: حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة، يَعني ابن الفضل حدثنا محمد، يَعني ابن إسحاق عن سليمان بن سُحيم عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من غفار سماها «أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفها على حقيبة رحله فحاضت قال فنزلت وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قال فتقبضت إلى الناقة واستحييت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم قال ما لك لعلك نَفِست قلت نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناءً من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمركبك قالت فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رضخ لنا من الفيء قالت وكانت لا تطهر من حيض إلاّ جعلت في طهورها ملحا وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت».
فيه من الفقه أنه استعمل الملح في غسل الثياب وتنقيته من الدم، والملح مطعوم فعلى هذا يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوبًا من إبريسم يفسده الصابون وبالخل إذا أصابه الحبر ونحوه ويجوز على هذا التدلك بالنخالة وغسل الأيدي بدقيق الباقلّي والبطيخ ونحو ذلك من الأشياء التي لها قوة الجلاء.
وحدثونا عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت الحمام بمصر فرأيت الشافعي يتدلك بالنخالة.
وقوله: «نفست» أي حضت يقال نفست المرأة مفتوحة النون مكسورة الفاء إذا حاضت ونفست بضم النون إذا أصابها النفاس.
قلت: وفي هذا الباب من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم علم المرأة كيف تغتسل من الحيض فقال لها خذي فرصة ممسكة. الفرصة القطعة من القطن أو الصوف تفرص أي تقطع، وقد طيِبت بالمسك أو بغيره من الطيب فتتبع بها المرأة أثر الدم ليقطع عنها رائحة الأذى. وقد تتأول أن الممسكة على معنى الإمساك دون الطيب يقال مسَّكت الشيء وأمسكته يريد أنها تمسكها بيدها فتستعملها.
وقال هذا القائل متى كان المسك عندهم بالحال التي يمتهن في هذا فيتوسعوا في استعماله هذا التوسع.

.ومن باب التيمم:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النُفيلي حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسيَد بن حُضير وأبا سامعة في طلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فأنزل الله سبحانه آية التيمم فقال لها أسيد بن حضير يرحمك الله ما نزل بك أمرٌ تكرهينه إلاّ جعل الله للمسلمين ولكِ فرجا».
قوله: «فصلوا بغير وضوء» حجة لقول الشافعي فيمن لا يجد ماء ولا ترابا أنه لا يترك الصلاة إذا حضر وقتها على حال وذلك أن القوم الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلب العقد كانوا على غير ماء ولم يكن رخص لهم بعد في التيمم بالتراب وإنما نزلت آية التيمم بعدُ فكانوا في معنى من لا يجد اليوم ماءً ولا ترابا ولو كانوا ممنوعين من الصلاة وتلك حالهم لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم حين أعلموه ذلك ولنهاهم عنه فيما يستقبلونه إذ لا يجوز سكوته على باطل يراه ولا تأخيره البيان في واجب عن وقته، إلاّ أن الشافعي يرى إعادة هذه الصلاة إذا زالت الضرورة وكان الإمكان.
وقد احتج بعض من ذهب إلى أنه لا يصلي إذا لم يجد ماء ولا ترابا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور».
قال: وهذا لا يجد طهورًا فلا صلاة عليه.
قال وهذا لا يسقط عنه الصلاة ألا تراه يقول: «لا يقبل الله صلاة حائض إلاّ بخمار» وهي إذا لم تجد ثوبا صلت عريانة فكذلك هذا إذا لم يجد طهورا صلى على حسب الإمكان.
وقد يؤمر الطفل بالطهارة والصلاة ويحج به ولا يصح في الحقيقة شيء منها وتؤمر المستحاضة بالصلاة وطهرها غير صحيح.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر أنه كان يحدث «أنهم تمسحوا وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصعيد لصلاة الفجر فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا بوجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والآباط من بطون أيديهم».
قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى وابن أبي خلف قالا: حَدَّثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب عن عبيد الله عن ابن عباس عن عمار وذكر الحديث.
قلت: لم يختلف أحد من أهل العلم أنه لا يلزم المتيمم أن يمسح بالتراب ما وراء المرفقين وإنما جرى القوم في استيعاب اليد بالتيمم على ظاهر الاسم وعموم اللفظ لأن ما بين مناط المنكب إلى أطراف الأصابع كله اسم لليد.
وقد يقسم بدن الإنسان على سبعة آراب اليدان والرجلان ورأسه وظهره وبطنه ثم قد يفصل كل عضو منها فيقع تحته اسما خاصة كالعضد في اليد والذراع والكف واسم اليد يشتمل على هذه الأجزاء كلها.
وإنما يترك العموم في الأسماء ويصار إلى الخصوص بدليل يفهم أن المراد من الاسم بعضه لا كله، ومهما عدم دليل الخصوص كان الواجب إجراء الاسم على عمومه واستيفاء مقتضاه برمته.
وفي هذا الحديث حجة لمن ذهب إلى إدخال الذراع في المرفقين في التيمم وهو قول ابن عمر وابنه سالم والحسن والشعبي. وإليه ذهب أبو حنيفة والثوري وهو قول مالك والشافعي.
ووجه الاحتجاج له من صنيع عمار وأصحابه أنهم رأوا إجراء الاسم على العموم فبلغوا بالتيمم إلى الآباط وقام دليل الإجماع في إسقاط ما وراء المرفقين فسقط وبقي ما دونهما على الأصل لاقتضاء الاسم إياه.
ويؤيد هذا المذهب أن التيمم بدل من الطهارة بالماء والبدل يسد مسد الأصل ويحل محله وإدخال المرفقين في الطهارة بالماء واجب فليكن التيمم بالتراب كذلك.
وقد يقول من يخالف في هذا لو كان حكم التيمم حكم الطهارة بالماء لكان التيمم على أربعة أعضاء، فيقال له إن العضوين المحذوفين لا عبرة بهما لأنهما إذا سقطا سقطت المقايسة عليهما. فأما العضوان الباقيان فالواجب أن يراعى فيهما حكم الأصول ويستشهد لهما بالقياس ويستوفى شرطه في أمرهما كركعتي السفر قد اعتبر فيهما حكم الأصل وإن كان الشطر الآخر ساقطا. وذهب هؤلاء إلى حديث ابن عمر.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو علي الموصلي حدثنا محمد بن ثابت العبدي حدثنا نافع قال انطلقت مع ابن عمر في حاجة إلى ابن عباس فقضى ابن عمر حاجته. وكان من حديثه يومئذ أن قال: «مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول فسلم عليه فلم يرد عليه حتى إذا كاد الرجل يتوارى في السكة ضرب بيده على الحائط ومسح بها وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه ثم رد على الرجل».
ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وهو قول عطاء بن أبي رباح ومكحول، وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وعامة أصحاب الحديث.
وذكر أبو داود في هذا الباب حديث ابن أبزى من طريق أبي قتادة وهو أصح الأحاديث وأوضحها.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين».
وروي من طريق الأعمش عن سلمة بن كهيل عن ابن أبزى عن عمار. وذكر الحديث فقال: «يا عمار إنما كان يكفيك هكذا ثم ضرب بيده إلى الأرض أحدهما على الأخرى ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعد ولم يبلغ المرفقين ضربة واحدة».
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص عن الأعمش قالوا فالمعول في هذا إنما هو على تعليم النبي صلى الله عليه وسلم إياهم لا على فعلهم الأول واجتهادهم من حيث سبق إلى أوهامهم في وجوب استيعاب اليد كلها.
قالوا وحديث ابن عمر لا يصح لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه.
قلت: وهذا المذهب أصح في الرواية والمذهب الأول أشبه بالأصول وأصح في القياس. واختلفوا في نفض الكفين أو النفخ فيهما، فقال مالك ينفضهما نفضا خفيفا. وقال أصحاب الرأي ينفضهما، وقال الشافعي إذا علقت الكفان غبارًا كثيرا نفض. وقال أحمد بن حنبل لا يضرك نفضت أولم تنفض.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق، قال: كنت جالسًا بين عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أن رجلًا أجنب فلم يجد الماء شهرًا، قال أبو موسى كيف تصنعون بهذه الآية: {فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا} [النساء: 43] فقال عبد الله لو أرخص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد.
فقال له أبو موسى ألم تسمع قول عمار لعمر: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال إنما كان يكفيك أن تضع هكذا فضرب بيده على الأرض فنفضها ثم ضرب بشماله على يمينه وبيمينه على شماله على الكفين ثم مسح وجهه». وقال عبد الله أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار.
قلت: في دلالة هذا الحديث أن مذهب عمر في تأويل آية الملامسة أن المراد بها غير الجماع وإن اللمس باليد ونحوه ينقض الطهارة.
وكذلك مذهب ابن مسعود ولولا أنه كذلك عندهما لم يكن لهما عذر في ترك التيمم مع ورود النص فيه.